mardi 20 septembre 2011

سباب المشركون في الإسلام

( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) .

أمر الله تعالى رسوله فيما قبل هذه الآيات بتبليغ وحيه بالقول والفعل ، وبالإعراض عن المشركين بمقابلة جحودهم وطعنهم في الوحي بالصبر والحلم ، وعلل ذلك بأن من مقتضى سنته في خلق البشر متفاوتي الاستعداد ، مختلفي الفهم والاجتهاد ، أن لا يتفقوا على دين ، ومن مقتضى هدايته في بعثة الرسل أن يكونوا مبلغين لا مسيطرين وهادين لا جبارين ، فعليهم أن لا يضيقوا ذرعا بحرية الناس في اعتقادهم ، فإن خالقهم هو الذي منحهم هذه الحرية ولم يجبرهم على الإيمان إجبارا وهو قادر على ذلك ، ثم عطف على هذا الإرشاد النهي عن سب آلهتهم ، وطلب بعضهم للآيات وحقيقة حالهم فيها فقال :

( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ; أي ولا تسبوا أيها المؤمنون معبوداتهم التي يدعونها من دون الله لجلب النفع لهم أو دفع الضر عنهم بوساطتها وشفاعتها عند الله لهم ، فيترتب على ذلك سبهم لله سبحانه وتعالى ( عدوا ) ، أي تجاوزا منهم في السباب والمشاتمة التي يغيظون بها المؤمنين إلى ذلك بغير علم منهم أن ذلك يكون سبا لله سبحانه ، لأنهم وهم مؤمنون بالله لا يتعمدون سبه ابتداء عن روية وعلم ، بل يسبونه بوصف لا يؤمنون به كسبهم لمن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحقير آلهتهم ، أو لمن يقول إنها لا تشفع ولا تنفع ، أو يقولون قولا يستلزم سبه بحيث يفهم ذلك منهم وإن لم يعلم ذلك قائله . وهذا مما يجب اجتناب سبه حتى على القول بأن لازم المذهب ليس بمذهب أو يقابلون الساب لمعبودهم بمثل سبه يريدون محض المجازاة فيتجاوزونها كما يقع
[ ص: 554 ] كثيرا من المختلفين في الدين والمذهب ، يسب نصراني نبي المسلم فيسب المسلم نبيه ويريد عيسى : ( عليهما الصلاة والسلام ) ويسب شيعي - يلاحي سنيا ويماريه - أبا بكر فيسب عليا ( رضى الله عنهما ) والأول يعلم أن سب عيسى كفر ; كسب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والثاني يعلم أن سب علي فسق ; كسب أبي بكر - رضي الله عنهما . ومثل هذا يقع كثيرا ، بل كثيرا ما يتساب أخوان من أهل دين واحد يسب أحدهما أبا الآخر أو معبوده فيقابله بمثل سبه ، يغيظه بسب أبيه مضافا إليه ويعده إهانة له ، فيسبه مضافا إلى أخيه إهانة لأخيه .

وهذا كله من حب الذات والجهل الحامل على المعاقبة على الجريمة بارتكابها عينها ، يهين والده المعظم
عنده ومعبوده الذي هو أعظم منه احتماء لنفسه وعصبية لها . وقد جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : " من الكبائر شتم الرجل والديه " قالوا : يا رسول الله ، وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : " يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه " .

فالمراد بالعلم المنفي - على هذا - العلم الحضوري الباعث على العمل وهو إرادة السب التي يقصد بها إهانة المسبوب ، فإن هذا الساب هنا لا يتوجه قصده إلا إلى إهانة مخاطبه الذي سبه ويجوز أن يراد بالعلم المنفي اعتقاد الساب أن خصمه لا يعبد الله تعالى بل يعبد إلها آخر ، لأنه يصف معبوده بما لا يصح أن يوصف به الله تعالى عنده ، وقد ثبت عن بعض المختلفين في الأديان وفي مذاهب الدين الواحد وصف ربهم وإلاههم بصفات ، ورب خصومهم وإلههم بصفات تناقضها أو تضادها ، كما يقول مثبتو الصفات ونفاتها بعضهم في بعض ويمكن التمثيل لهذا باختلاف
الأشعرية والمعتزلة في مسألة إرادة الله تعالى للشر والكفر وعدمها ، فقد يبالغ كل منهما فيه فيزعم أن إلهه غير إله مخالفه ، وقد نقل عن اثنين من أكابر علمائهما أنهما التقيا فقال المعتزلي : سبحان من تنزه عن الفحشاء ، فقال الأشعري : سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء ، أي ومنه الفحشاء فهل يبعد أن يعبر بعض المجازفين عن هذين المعنيين بصيغة السب لتأييد المذهب ؟ دع ما يقوله من هم أشد منهم غلوا في تضليل المخالف وتكفيره والجميع يقولون إنهم يعبدون الله خالق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما ، وهم صادقون في ذلك وإن اتخذ بعضهم له شريكا أو وصفه بما لا يليق به أو نفى عنه عما وصف به نفسه ، ولكن تعصب المرء لنفسه ولمن تجمعه به جامعة ما قد تحمله على توسيع شقة الخلاف بمثل ذلك ولا سيما في أثناء الجدل ، وفي هذا المقام تزداد فهما لقوله عز وجل : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ) 29 : 46 هذا ما نراه في معنى النهي وتعليله وقد ورد في المأثور ما يؤيد بعضه ننقله عن الدر المنثور وهو :

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire